الحقيقة هي محمد رمضان!
بين حين وآخر،
يخرج علينا الممثل المصري "محمد رمضان" في إطلالة جديدة تُثير الجدل،
وتُربك المشهد الثقافي المصري ـ على أقل تقدير.
فما بين ظهوره
بجوار سيارات فارهة، أو التقاط الصور وبحوزته عشرات آلاف الدولارات، أو بداخل
خزانة النقود، أو مرتديًا بدلة الرقص في الولايات المتحدة، أو في الطائرة
الخاصة... إلخ، أُصيب العقل الجمعي المصري بنوبة صراع قيمي وفكري: هل نستمر في
الدفع بأبنائنا إلى التعليم وما يحمله من استنزاف عام؛ ليجد الأبناء، لاحقًا، أنّ أماكن
انتظار فرصة عمل على أحد المقاهي قد باتت مكتظة حدّ الاختناق؟!، أم ندفع بهم إلى
مجال الفن، كما يفعل البعض فيما يخص "كرة القدم"؛ عسانا نضمن لهم
مستقبلًا يدنو مما حققه "السلف الصالح" أمثال "محمد رمضان"؟!
وها هنا علينا أن نسأل: لماذا انساق الآلاف من البشر، إن لم
يكن الملايين وراء هذا الهراء والعبث الذي يجسده "محمد رمضان" ومَن على
شاكلته أمثال "أوكا وأرتيجا" و"شاكوش" و"حمو بيكا"
وغيرهم؟، هل هو الانحطاط الفكري لدى العقل الجمعي؟، أم أنها لحظة في "سوق المتعة" لأجل "الهروب" من واقعنا البائس المأزوم؟. ثم مَن المسؤول عن هذا الانجراف وراء تلك التفاهات: هل هي سياسة
الإلهاء والإخصاء، أم أنها الرغبة المحمومة وراء الشهرة ووراء الثراء السريع؟!
يرى البعض أن الثراء مصدر القوة والنجاح، ولا أدل على ذلك من مكانة "نمبر ون" ـ الذي استطاع شراء شهادة الدكتوراه. وهنا يجب التنويه إلى أن الشهادة التي تحصل عليها محمد رمضان - بصرف النظر عن مصدرها - لا تثبت له علمًا ولا إبداعًا؛ كما أنها لا تنفي عنه جهلًا أو إسفافًا.
وقد يقول البعض: إن "محمد رمضان" ومَن على شاكلته، لا يمثل إلا نفسه. وهنا نقع في "مغالطة الانتقائية"؛ والتي تُفيد الاحتفاء بالإنتاج الجيد لشخص ما، أو عند تكريمه، بينما حال انحرافه نقول: هو لا يمثل إلا نفسه. ثم إننا لو أخذنا هذا الرأي إلى الأمام قليلًا وتساءلنا: ما مدى تأثير "الأسطورة" أو "نمبر وان" على المجتمع وعلى الأجيال الجديدة؟ هنا سنكتشف حقيقة مأساتنا ـ التي لم تكن مُقاطعة الفضائيات والتلفزيون عمومًا حلًا لها.
إن هذه الصور
تعكس مرحلةً من أسوأ المراحل التي مرت على المحروسة في الحقبة الحديثة. إنها
الصورة الرمز ـ حقبة محمد رمضان، حمو بيكا، شاكوش، أوكا وأورتيجا ومن على شاكلتهم
ممن تصدروا المشهد الإعلامي، إن لم يكن الثقافي في مصر.
وهنا نستدعي
الفيلم المصري "انتبهوا أيها السادة" (1980) للمخرج محمد عبد العزيز. والذي
تدور أحداثه عن الصراع بين الباحث الأكاديمي الذي يعاني قلة ذات اليد، وبين "الزبال"
الذي يعتلي سريعًا قمة الثراء والنفوذ.
يتقدم
"عنتر" (محمود يس) الزبال الفقير لخطبة ابنة محامي كبير (صلاح نظمي) من
سكان إحدى العقارات التي يقوم بتنظيفها، معتقدًا أنها خادمة، يُهينه ويطرده الأب، ولكن
بعد سنوات قليلة، وأثناء بحثه عن شقة لأجل تكوين أسرة، يتقابل استاذ الجامعة مع
الزبال مرة أخرى، ولكن هذه المرة "الزبال" هو صاحب العمارة. ومع تدافع
أحداث الفيلم، يدعو "صاحب العمارة" الدكتور جلال (حسين فهمي) وخطيبته إلى
سهرة في إحدى النوادي الليلية. ومع انتشاء "المعلم عنتر" بأغنية
"حاوريني يا طيطا" يقوم برشق النقود التي أخدها من الدكتور علي الراقصة؛
ليبدأ الدكتور استعادة ذكرياته وكيف أنه عانى الأمرين لجمع هذا المبلغ ودفعه كمقدم
للشقة، بعد أن قال له "عنتر": "اشرب يا دكتور اشرب بلا فلفسة بلا
كلام فارغ".
وفي لحظة فارقة أخرى، من بين لحظات كثيرة يحملها الفيلم، يقول "عنتر" عن الدكتور: "سيبوه.. أصل عنده فكر"، وكأن الفكر وصمة في هذا الوقت. ومع نهايات الفيلم، يتزوج "عنتر" من خطيبة "جلال" بعدما أغواها بالمال وبحالة الثراء، ليخرج جلال من قاعة المحاضرات وهو في حالة تشبه المجذوبين ويقف تحت تمثال نهضة مصر وعندما تمرّ من أمامه عربة تجميع القمامة، يقول: "الحقيقة هي عنتر".
إن تصدُّر
هؤلاء للمشهد يؤكد أن انتصار "العبيد" قد بلغ مداه، وأخشى ما أخشاه، أن
يكون بعد المدى مدىً، لدرجة قد نصل فيها إلى الاختناق من دفن رؤوسنا في رمال
الانهمام والسعي اللاهث وراء إثبات التفرد العلمي ـ كل في تخصصه، ومن واجبنا أن نسأل "سليمان الناجي" في "الحرافيش"
ـ وكلنا "الناجي": "متى يرجع الغائب، ومتى يغيب الحاضر؟"،
وأن ندقّ ناقوس الخطر قبل أن نفقد حتى "حائط المبكى" ويخرج علينا
المجتمع ورموزه قائلًا: "الحقيقة هي "محمد رمضان"؟!






