أولاً: ماذا يعني لي اتحاد فلاسفة العرب؟
يتقدّم اتحاد الفلاسفة العرب كأحد الاتحادات الفلسفية التي أتابع نشاطها باستمرار، وأتوسّم فيها الخير لما فيه صَلاح وإصلاح للفكر الفلسفي العربي، والحقّ أنني لم أشارك في مؤتمره الأول الذي دار حول موضوع: "الفلسفة للأطفال"، لكن كنت على بيّنة بمجرياته وموضوعات المداخلات وأسماء الباحثين. وأنا شخصيًا أحوز على بطاقة العُضوية كان قد منحها لي المسؤول عن الاتحاد، الأستاذ: "محمد حجازي"، في لفتة قيّمة لا يبخل من خِلالها على أيّ باحث أو أستاذ يُريد الانخراط. ويأتي الاتحاد ليُعبِّر عن طُموح مأمول مرفوق بإرادة المعمول لأجل النُهوض بالفلسفة وبعث شِعابها والرفع من مكانتها، ونشر الوعي بقيمة الاشتغال الفلسفي والعودة الدؤوبة في كلّ مرة لتحليلاته ورؤاه النقدية واستنتاجاته ومُفاتحاته الحُلولية لمختلف الأزمات، وأن الفكرة الفلسفية الناجِعة مُنطلق العَمل الناجِع، وهي مرجع التغيير للأفضل، والتطلُّع المستمر للتقدُّم باعتماد النقد للكشف عن مُسبِّبات التعطيل والبناء لاقتراح أدوات التسهيل والتأسيس القوي فكريًا، الذي سينسحِب على بقية المجالات، فالفلسفة منهج في الحياة، وأسلوب نقدي للتفكُّر في الواقع.
ثانيًا: إيجابيات وسلبيات الاتحاد
ولأن الهدف، هو التحسين والتطوير، فإنه يجب عدم التوقّف
عند إبراز الإيجابيات، بل ينبغي بإصّرار إلقاء الضوء على العثرات والسلبيات، التي
لن تُنقِص من مكانة الاتحاد، إنّما على النقيض، ستجعله يتدارك ويُصوّب من أجل مُستقبل
أفضل، يبدأ من حاضِر يعترف ولا يُحابي.
1_ الإيجابيات
أ_ رَحابة التسّمية
يلفِت انتباهي
لأوّل وهلة، التسّمية المنتقاة وهي: "اتحاد فلاسِفة العرب"، الرحِب الذي
يضمّ جميع المشتغلين بالفلسفة من العرب، بصرف النظر عن هوّية دينهم إن كانوا من
المسلمين أو من المسيحيين، فالهوّية العربية جامِعة. ثم إنه إجراء مدعوم، بخاصّة
وأنّنا نرزح تحت وطأة مُكرهات الآخر المختلِف والتحديدات الخانِقة: أنا أنا، ممّا
يحيل التسّمية إلى مبادرة طيّبة الأعراق الفلسفية.
ب_ الموضوعات المختارة
يختار الاتحاد موضوعات جاذِبة للبحث والتفكُّر فيها، ما
يُميّزها أنها ليست موضوعات أكاديمية بحتة، كالاشتغال حول شخصية فلسفية بعيّنها أو
إشكال فلسفي مُتناول بكثرة، وإن كُنت دائِمًا أنوّه إلى أن الفكرة لا تموت وإن
جاءت سيرتها البحثية مُكثّفة. ومن بين تِلك الموضوعات: "الفلسفة والسينما"،
والفيديوهات التي ينشرها رئيس الاتحاد حول قِراءات فلسفية بشأن أفلام مصرية أو
تونسية مثلاً، أو حتى لكرتون كطوم وجيري، ممّا ينمّ عن حفر فلسفي حتى في موضوعات
تمرّ بهدوء على البعض. وموضوع "الفلسفة للأطفال" كأوّل مؤتمر دولي يعقده الاتحاد، ومن وجهة نظري وبقناعة قابِلة
للتغيير بالحجّة العِلمية والمنطقية، أن "تعليم الفلسفة للأطفال" في
الوطن العربي، يحتاج إلى شُروط ينبغي توفّرها أولاً قبل الشُروع في الحديث عنه
والانطلاق في تجسيده، كأنّ نهتم بالفلسفة في مرحلة الثانوية بِداية، فالأمر لا يقتصِر
على إثارة وتنمية الحسّ الاستشكالي لدى الطفل والاستثمار فيه، إنّما المهمّة مُركّبة
وهي تنازليًا وليست تصاعديًا، فتلميذ الثانوية هو أستاذ الغد، أستاذ ذلك الطفل
الذي نرُكِّز عليه نظرنا لتعليم الفلسفة لديه، فكيف من لم يتعلَّم أن يُعلِّم؟
ت_ التحرُّر من الانتماءات
لا يُقدّم الاتحاد نفسه على أنه تابِع إلى جهة مُعيّنة،
بالتحديد الجهات السياسية، أو أنه يتبنّى نظام ما، أو رؤية خاصّة بمذهب مُسمّى،
إنّما يتحرّر من كل هذه الانتماءات، ولا ينتمي إلاّ للفكر الفلسفي النقدي
التنويري، وهذا ما نبحث عنه اليوم في عالمنا العربي، الذي تُشوَّه فيه الأفكار
والمشاريع، وتتغيّر مساراتها نحو خِدمة مصالح ضيّقة وتمرير رسائل مُخطّط لها،
وبالتالي فإن التحرُّر المشهود للاتحاد، خير إيجابية، لا بدّ من الحِفاظ عليها
بالاستمرارية والتأكيد من خِلالها على قيمة القِراءة باسم الفكرة الحرّة بعيدًا عن
مضائِق الأشخاص والحِسابات والجهات.
ث_ الانخراط في فضاء التواصل الاجتماعي
يتفاعل اتحاد فلاسفة العرب ويتواصل بقوّة وينشط في فضاء
التواصل الاجتماعي، سواء من خِلال حساب الفايسبوكFacebook ، أو عبر قناته في اليوتيوبYoutube ، وهذا أمر إيجابي، فنحن في عصر
الصورة والتواصل الرقمي، كمَا يُحسب له استخدامه للصور حينمَا ينشر فيديوهات تعبيرًا
عن الفكرة. وهي دعوى لانخراط الفلسفة في الواقع الافتراضي، وتبليغ الفكرة الفلسفية
عبر هذا الفضاء، بحرّية ومسؤولية.
2_ السلبيات
أ_ بطاقات العُضوية، انتماء دون تفعيل
رغم منح الاتحاد بطاقة العُضوية وتوفيرها بشكل مفتوح
لكلّ الراغبين في الانضمام، غير أنّني أراها بطاقة من دون فائِدة عَملية ولا
تفعيل، فماذا يُفيدني أن أكون عُضوة وأنا لا أستشار أو يُطلب رأيي أو تُسند إليّ
مهام عِلمية؟
ب_ الاهتمام بمعارضي الاتحاد والنشر عنهم في فضاء الفايسبوك
إذا ما أراد الاتحاد السير قُدمًا وبخطوات ثابتة، فعليه
أن لا يهتم بمعارضيه الذين يريدون إجهاض المشروع، لأن هذا سيُدخِله في متاهة الردّ
وسيمنح هؤلاء القيمة لكيّ يتطاولوا ويرشقون الاتحاد بما ليس فيه. لكن نلحظ بعض
المنشورات من حين لآخر على صفحة الاتحاد، تعرِض مضمون ما يوجّهونه من اتهامات،
فالأفضل هو عرض ونشر أهداف ونشاطات الاتحاد، وهذا بحدّ ذاته خير ردّ على مُنتقديه
للإفشال.
ت_ المبالغة في استخدام لفظة فلاسِفة العرب
لا يحمِل لقب فيلسوف إلاّ من توفّرت لديه شروط خاصّة،
وكلّ من ينتمي إلى الاتحاد فهو من رتبة باحث، أستاذ وطالب، وهم في النهاية مُشتغلين
بالفلسفة، من دارسين وكاتبين، ولذلك أرى أن لفظة فلاسِفة مُبالغ فيها، وهذا ليس
إنقاصًا من حجم جهود الباحثين العرب، أو جُحود بإمكاناتهم أو حتى موقف سابِق يرى
بعدم قُدرتهم على توليد شخصية الفيلسوف، بل على النقيض من ذلك تمامًا، نعم
بالإمكان، فالتفلّسف الحقّ هو مُساءلة الذات لذاتها ولغيرها وللحياة التي تعيش في
خضمّها، وهذا بالضبط ما نُسجِّل غيابه. ومن بين الأسماء المقترحة؛ "الاتحاد
العربي للاشتغال الفلسفي" أو "العرب والفلسفة، انهمامات
واهتمامات".
ثالثًا: نحو رؤية مُستقبلية ناجِعة
تطلُّعًا للأفضل ولمستقبل ناجِع وواعِد بالإنجازات
لاتحاد الفلاسِفة العرب، أقترح جملة من الأفكار والنصائح، التي ينبغي العَمل لأجل
تجسيدها، فمَا ينقُصنا دائِمًا هي اللمسة العَملية، فالفكرة حاضِرة ولكن ما يغيب
هو تطبيقها، وبالتالي فلنغيّر التفكير من تفكير النظر فقط إلى تفكير النظر والعَمل.
1_ ضرورة النشاط المتواصل
يجب على الاتحاد أن لا ينقطِع لفترات طويلة، بل عليه
بالنشاط المتواصل ومُرافقة الأحداث، بالحسّ التحليلي النقدي والاستشكالي، من خِلال
إقامة الندوات والملتقيات، وإجراء الحوارات، وهُنا ننوّه إلى أنه ليس بالضرورة
اختيار أساتذة من رُتب عِلمية عالية، بل يُمكن محاورة الطلبة، فالأفكار عالمَها
واسِع وهي ليست حصرًا على من يحمِل درجات عِلمية قد صعِدت أو مؤلّفات كثيرة، فصحيح
هذا سيُكسِبها نُضجًا، لكن حرارتها الإبداعية قد توجد في تِلك الرتبة الصاعِدة.
2_ الالتفاف لاقتراحات طلبة الدكتوراه وإدراجهم في اللجنة التنظيمية للمُلتقيات
يُقترح أن يضمّ الاتحاد طلبة الدكتوراه بقوّة، وأن
يحتضِن أفكارهم؛ وذلك بالتواصل معهم من حين لآخر وطلب تقديم رؤاهم بشأن إشكالات
فلسفية مُعيّنة، أو عرض عليهم إشكال ما لتقديم وجهة نظرهم. يُضاف إدراجهم ضِمن
اللجنة التنظيمية للندوات أو الملتقيات، من أجل الاستفادة منها في السيرة الذاتية،
وأيضًا حتى تكون التسّمية الرحِبة مُفعَّلة من كلّ الجوانب.
3_ التوعية المستمرة بأهمية الرأي الفلسفي في الحياة اليومية
حتى يتميّز اتحاد فلاسِفة العرب ويُقدِّم الإضافة
المرجوّة، عليه أن يحرِص دائِمًا على النشر المستمر والتوعية المكثّفة بأهمية
الرأي الفلسفي وقيمة الرؤية الفلسفية في الحياة اليومية، وتقديم أمثلة عن ذلك
وتجارِب حيّة كتجارِب ذاتية لأعضاء الاتحاد.
4_ إدراج جوائز تشجيعية
من أجل التحفيز، وهو شرط جوهري للإقبال والعَمل أكثر،
وتثمين الجُهود والاهتمام بالإضافات القيّمة والأفكار النيّرة، يُقترح أن يُخصّص
الاتحاد جائزة تشجيعية، تكون على شكل شهادة مختومة، كشهادة أحسن اقتراح، شهادة
أحسن مُداخلة، شهادة أحسن إلقاء، وننطلِق بالفكرة من المقام الحالي، شهادة أحسن
مقال نقدي.
5_ ربط الاتحاد بالجامعات والمراكز البحثية الأخرى
هي الشراكة العِلمية، التي تمنح فُرصة الاستفادة وتبادُل
الخبرات والتكوين، ولذلك فالاتحاد مُطالب بعقد شراكات مع مُختلف الجامعات والمراكز
البحثية، سواء من ناحية الاستفادة من أساتذة تِلك الجامعات أو المراكز في اللجنة
العِلمية للمُلتقيات التي يُنظّمها الاتحاد، أو من ناحية الانخراط معها في تنظيم
عِلمي تقوم به، فالأهم هو الانتفاع العِلمي المنشود والحُضور القوّي.
6_ التنويع في لغة الاتحاد
صحيح أن اتحاد فلاسِفة العرب، جامِع للناطقين بالعربية
فقط، لكن هذا لا يمنع من انضمام العرب الناطقين بالإضافة للغة العربية، إلى نُطقهم
أيضًا للغة الفرنسية وللغة الإنجليزية، فاللغة حياة، ثم إن البحث العِلمي يفرِض
تلاقُح اللغات وتعايشها معًا، والاقتصار على اللغة العربية لن ينقل صاحِبها إلى
العالمية ولو على سبيل قِراءة أفكار الغير، ومن بين الاقتراحات في هذا السياق، أن
يُفتح المجال لاستقبال المداخلات في إطار فعالية عِلمية مُعيّنة باللغات الثلاث.
7_ تثمين الاختلافات
نبذًا للأحادية القاتِلة، وللنمذجة والمركزيات والفكرة
الواحِدة المهيّمنة، ومنطق الأبويات الذي يمنع حركة التغيير وانسيابية الأفكار
الجديدة والتعبير عن مكنونات الذات، ويمتهن القمع وفرض الوصاية، يتأسّس الاتحاد
ليُشجِّع الاختلافات ويُثمِّنها، ويخلق فضاء لحوارية الأفكار والتقائها وتنافُسِها
بالحجّة من دون التعارُض والإقصاء، فالاختلاف جبلّة الحياة وهو مرتع خِصب
للارتقاء.
8_ التشجيع على تبنّي ثقافة النقد في التعاطي مع الاتحاد
ضِدّ المجاملة وعبارات التجميل، تِلك العبارات الجوفاء، فالمطلوب
هو تقديم قِراءات عِلمية نقدية، الغرض منها إدراك الأخطاء وتداركها بالتصحيح،
والوعي بنقاط القوّة والأمور الإيجابية قصد تطويرها والعَمل الحريص على تفعيلها،
والنقد ليس النقض، فالأول تقييم وتمييز من أجل البناء والتطوير، والثاني معناه
الرفض والتهديم. وبالتالي فالحاجة ماسّة إلى النقد الذي يُقوّي ويدعم، ومنه النقدالذاتي الذي يُسائِل ويكشِف العثرات والاعتلالات، من دون محاباة للذات ولا تغطية
لعيوبها؛ وذلك بهدف التحسين والتقدّم وإحراز الأفضل.
وفي الأخير، أتمنّى كلّ النجاحات لاتحاد الفلاسِفة العرب
...